طريقة أهل السنة والجماعة

on Senin, 06 September 2010

طريقة أهل السنة والجماعة
في
مخالفة أهل الفرقة والبدعة

كتبها:
أبو العباس خضر المُلكي الأندونيسي
قرأها:
الشيخ أبو عبد الله محمد بن حزام البعداني

دار الحديث بدماج
1431 هـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا إله سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه واجتباه وهداه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه رسالة سميتها "طريقة أهل السنة والجماعة في مخالفة أهل الفرقة والبدعة ".
ومن طريقتهم في ذلك:

1. اتباع الشريعة ظاهرا وباطنا.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء/59]. أي كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة.
فاعلم أن في البدعة خروجا عن اتباع الشريعة, وقد قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام/153]. فمن ابتدع بدعة يتعبد لله بها فقد خرج عن اتباع الشريعة.
ومن المعلوم أن المبتدع لا يحكم بالكتاب والسنة, لأنه يخرج إلى هواه فيحكمه, قال الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) [الأعراف/175-178].
جعل الله سبحانه الشريعة لنا وأمرنا باتباعها, قال الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية/18].
فمن أعرض عن اتباع الشريعة فما معه إلا هوى, قال الله تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) [القصص/49، 50].
وفي الشريعة قد أمرنا بمجانبة الهوى, قال الله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) [الشورى/14، 15]. وقال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [المائدة/49].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «دَعُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (متفق عليه). واختلافهم على أنبيائهم يعني مخالفتهم.
ولا شك أن الأنبياء بعثهم الله تعالى بالأحكام الشريعة, قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ [الشورى/13]. فما أحله الشريعة لنا فإننا نقبله ونعمل به على أنه حلال, وما نهانا عنه فإننا ننتهي عنه, ونتركه ولا نتعرض له, قال الله تعالى: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر/7].
ولهذا بعث الله تعالى الرسول -صلى الله عليه وسلم- لاتباع الشريعة, وعن زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضى الله عنه- قَبَّلَ الْحَجَرَ وَقَالَ لَوْلاَ أَنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ. (رواه البخاري وفي مسلم من حديث عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ).
قال الإمام محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في "شرح رياض الصالحين" (ج 17 / ص 64): وفي هذا دليل على أن كمال التعبد أن ينقاد الإنسان لله عز وجل، سواء عرف السبب والحكمة في المشروعية أم لم يعرف. فعلى المؤمن إذا قيل له افعل؛ أن يقول: سمعنا وأطعنا، وإن عرفت الحكمة فهو نور على نور، وإن لم تعرف فالحكمة أمر الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. ولهذا قال الله في كتابه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: من الآية36). اهـ.

2. حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه [البقرة/165].
ومن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بد أن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في "فتح الباري" (ج 1 / ص 25): فَمَنْ يَدَّعِي حُبّ اللَّه مَثَلًا وَلَا يُحِبّ رَسُوله لَا يَنْفَعهُ ذَلِكَ، وَيُشِير إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران/31]. اهـ.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في "تفسير القرآن العظيم" (ج 2 / ص 32): هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عليه أمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ" ولهذا قال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" (ج 2 / ص 85): وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان. اهـ.
وقال الإمام محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في "شرح رياض الصالحين" (ج 19 / ص 3): والحقيقة أن المبتدع بدعته تتضمن أنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان يدعي أنه يحبه؛ لأنه إذا ابتدع هذه البدعة والرسول عليه الصلاة والسلام لم يشرعها للأمة، فهو كما قلت سابقاً إما جاهل وإما كاتم. اهـ.
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ -وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ الرَّجُلُ- حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». (متفق عليه). وفي البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ».

3. حب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان ممن سلف.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه سلف هذه الأمة, فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم¬- لبنته سَيِّدَة نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَة نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ فاطمة رضي الله عنها: فَإِنِّى نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكَ». (متفق عليه عن عائشة –رضي الله عنها-).
وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضا: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. (متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضى الله عنه-).
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «حُبُّ الأَنْصَارِ آيَةُ الإِيمَانِ وَبُغْضُهُمْ آيَةُ النِّفَاقِ». (متفق عليه).
وعَنْ أَبِى سعيد الخدري وأبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ». (رواه مسلم).
وعن الْبَرَاء -رضى الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ». (متفق عليه).
وأخرجه البخاري من حدبث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: قال النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-:
اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ.
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة: حب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكرون إلا بخير, قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في "قصيدته":
حب الصحابة كلهم لي مذهب ومودة القربي بها أتوسل
وقال -رحمه الله- في "العقيدة الواسطية": وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ سَلَامَةُ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، وَطَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ». (متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه).
والصحابة الكرام كلهم عُدولٌ بتعديل الله ورسوله لهم، وهم أَولياءُ الله وأصفياؤه، وخيرته من خلقه، وهم أَفضل هذه الأُمة بعد نبيها -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة/100].
فهذه فيه رد على الروافض والنواصب, على الروافض الذين يبغضون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو حب آل بيته. وعلى النواصب الذين ينصبون العداء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما لآل البيت. الرفض والنصب كلاهما ضلال وإن كان الرفض أشد ضلالا, لأنه يتضمن ما تضمنه النصب.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في "أدب الطلب ومنتهى الأرب" (ص: 140): ولم أجد أهل ملة من الملل ولا فرقة من الفرق الإسلامية أشد بهتا وأعظم كذبا وأكثر افتراء من الروافض. اهـ.

4. حب المؤمنين.
قال الله تعالى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات/10].
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». (رواه مسلم).
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». (متفق عليه).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا». (متفق عليه).
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ -رحمه الله-: تَضَمَّنَ الْحَدِيث تَحْرِيم بُغْض الْمُسْلِم وَالْإِعْرَاض عَنْهُ وَقَطِيعَته بَعْد صُحْبَته بِغَيْرِ ذَنْب شَرْعِيّ، وَالْحَسَد لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُعَامِلهُ مُعَامَلَة الْأَخ النَّسِيب، وَأَنْ لَا يُنَقِّب عَنْ مَعَايِبه، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَاضِر وَالْغَائِب، وَقَدْ يَشْتَرِك الْمَيِّت مَعَ الْحَيّ فِي كَثِير مِنْ ذَلِكَ. (فتح الباري لابن حجر: ج 17 / ص 231).
الناس إذا تباغضوا تفرقوا, لأن البغض يؤدي إلى التباعد فمآله إلى التفرق؛ والفرقة بدعة قال الله تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران/105]. وقال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة/213]. فالاختلاف يفرق الأمة, ولا يمكن للناس إذا صاروا مختلفين أن يتعاونوا ويتناصروا دائما وأبدا, بل يكون بينهم عداوة وعصبية لفرقهم وأحزابهم. والأمة الإسلامية إذا فتح لها باب البدع كل منهم يبتدعوا على حسب هواه, والأهواء تختلف فحصلت الفرقة لا محالة لتفرق كلماتهم, فلذلك قال الإمام الشاطبي رحمه الله: البدعة قرينة الفرقة. اهـ.
فإذا ابتدع الناس تفرقوا, وصار هذا يبتدع شيئاً، وهذا يبتدع شيئاً، وهذا يبتدع شيئاً، كما هو الواقع الآن، ونضرب لهذا مثلاً بحزبية عبد الرحمن العدني وأصحابه في إندونيسيا كمثل لقمان باعبده ومحمد عفيف الدين وذي القرنين ومحمد السربيني وخليف الهادي وعسكري وغيرهم لا بارك الله فيهم ابتدعوا الجمعية في الدعوة. أتدرون ماذا يقولون لمن لا يفعل هذه البدعة؟ يقولون هؤلاء متشددون, وهؤلاء يبغضون العلماء الذين يقولون: الجمعية وسيلة الدعوة.
وصار كل واحد يقول الحق معي، وفلان ضال مقصر، ويرميه بالكذب والبهتان وسوء القصد وما أشبه ذلك, فتكون الأمة الإسلامية كل حزب منها بما لديه فرح كما قال تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: 32). كل حزب يقول الحق معي، والضلال مع الآخر، قال الإمام الشوكاني -رحمه الله- في "أدب الطلب ومنتهى الأرب" (ص: 91): فأهل هذا المذهب يعتقدون أن الحق بأيدهم وأن غيرهم على الخطأ والضلال والبدعة, وأهل المذهب الآخر يقابلونهم بمثل ذلك. اهـ. وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُون َ) (الأنعام :159،160).
فلا يجوز لهذه الأمة أن يتفرقوا في دينهم, بل يجب أن يكونوا أمة واحدة على الأخوة الإسلامية, قال الله تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء/92]. وقال الله تعالى: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون/52، 53].
ولا يمكن أن يحصل اتفاق الكلمة واجتماع الصف إلا أن يرجع كل إلى الكتاب والسنة.
وكذلك فلا يجوز لهذه الأمة أن يتعصبوا, بل يجب أن يكونوا أمة واحدة على الأخوة الإسلامية, قَالَ الإمام البيهقي –رحمه الله- في "السنن الصغرى" (ج 3 / ص 307): قال الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي شَهَادَةِ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ: مَنْ أَظْهَرَ الْعَصَبِيَّةَ بِالْكَلامِ، وَتَأَلَّفَ عَلَيْهَا، وَدَعَا إِلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُشْهِرُ نَفْسَهُ بِقِتَالٍ فِيهَا فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ، لأَنَّهُ أَتَى مُحَرَّمًا، لاَ اخْتِلافَ فِيهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيمَا عَلِمْتُهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). وَبُقُولِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا).
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ». (رواه البخاري والبيهقي).
بالإخوة تجتمع الكلمة ويتوحد الصف وتظهر قوة أهل الإسلام وعزتهم وبالإخوة هذم الإسلام كل التعصبات الجاهلية والقبلية والعنصرية فلا فرق عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوي قال الله تعال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات/13].

5. الدعوة إلى الله على بصيرة والتمسك بالأدلة الشرعية ونبذ التقليد الأعمى.
قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف/108]. قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في " تفسيره" (ج 4 / ص 422): يقول [الله] تعالى لعبد ورسوله إلى الثقلين: الإنس والجن، آمرًا له أن يخبر الناس: أن هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بَصِيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكلّ من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي. اهـ.
وقال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف/3]. قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في " تفسيره" (ج 3 / ص 387): ثم قال تعالى مخاطبًا للعالم: {اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كلّ شيء ومليكه، {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي: لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره. اهـ.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "الفتاوى الكبرى" (ج 4 / ص 247): وذلك أن باب العبادات والديانات والتقربات متلقاة عن الله ورسوله فليس لأحد أن يجعل شيئا عبادة أو قربة إلا بدليل شرعي قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه [الشورى/21]. وقال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام/153]. وقال تعالى: المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) [الأعراف/1-4]. ونظائر ذلك في الكتاب كثير يأمر الله فيه بطاعة رسوله واتباع كتابه وينهي عن اتباع ما ليس من ذلك.

6. الوضوح.
أهل السنة والجماعة واضحون في دعوتهم, لا يلبسون على المسلمين شيئا من أمور دينهم بخلاف أهل البدعة والفرقة فإن دعوتهم ليست واضحة فتارة مع الزنادقة وتارة مع الرافضة وتارة مع الحزبية, فحالهم كما في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأْتِى هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ». (متفق عليه).
ومنهج أهل السنة والجماعة الوضوح كما في حديث أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ فَقَالَ: «آلْفَقْرَ تَخَافُونَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا حَتَّى لاَ يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدٍ مِنْكُمْ إِزَاغَةً إِلاَّ هِيَهْ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ». قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَرَكَنَا وَاللَّهِ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ. (رواه ابن ماجه وحسنه الإمام الألباني).
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِىَ رَسُولُ رَبِّى فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ». فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ. (رواه مسلم).
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أيضا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَلاَ وَإِنِّى تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلاَلَةٍ». (رواه مسلم).
قال الإمام الشوكاني -رحمه الله- في "أدب الطلب ومنتهى الأرب" (ص: 141): فإن منهج الحق واضح المنار يفهمه أهل العلم ويعرفون براهينه. اهـ.
وقال الله تعالى في القرآن العظيم: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال/42].
قال الله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف/54]. قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- في "تفسيره" (ج 5 / ص 171): يقول تعالى: ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم الأمور، وفصلناها، كيلا يضلوا عن الحق، ويخرجوا عن طريق الهدى. ومع هذا البيان وهذا الفرقان، الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة. اهـ.

7. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد على المخالف للحق كائنا من كان.
عن أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ». فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ. وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ وَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ. (رواه أحمد, الحديث في "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين").
قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) [آل عمران/110-112].
قد أمر الله سبحانه الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنهي عن التفرق في الدين, وقال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) [آل عمران/104، 105].
قال شيخ ألإسلام -رحمه الله- في "اقتضاء الصراط" (ج 1 / ص 44): الإنسان إذا عرف المعروف وأنكر المنكر كان خيرا من أن يكون ميت القلب لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ألا ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» (رواه مسلم) وفي لفظ ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل وإنكار القلب هو الإيمان بأن هذا منكر وكراهته لذلك فإذا حصل هذا كان في القلب إيمان وإذا فقد القلب معرفة هذا المعروف وإنكار هذا المنكر ارتفع هذا الإيمان من القلب. اهـ.

8. ربط الناس بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح وليس بأشخاص لأن المعصوم عندهم هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم/12].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ: «ائْتُونِى بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا». (متفق عليه).
وقال الله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى/10].
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء/59]
وقال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) [النجم/3-5].

9. المسح على الخفين.
فاعلم -رحمك الله- أن هذه المسألة أنكرها الشيعة أو الرافضة وأثبتها أهل السنة والجماعة, عَنْ عَلِىٍّ رضى الله عنه قَالَ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْىِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ. (رواه أبو داود بإسناد حسن).
فهذا الحديث فيه رد على أهل الرأي.

10. الصلاة في النعال
فاعلم –رحمك الله- أن هذه المسألة أنكرها الصوفية وأثبتها أهل السنة والجماعة, عن أَبي مَسْلَمَةَ سَعِيد بْن يَزِيد الأَزْدِي قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى فِى نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. (رواه البخاري).
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" (ج 1 / ص 179): والسلف تارة يعللون الكراهة بالتشبه بأهل الكتاب، وتارة بالتشبيه بالأعاجم، وكلا العلتين منصوصة في السنة مع أن الصادق -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بوقوع المشابهة لهؤلاء وهؤلاء كما قدمنا بيانه. عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ فِى نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ». وهذا مع أن نزع اليهود نعالهم مأخوذ عن موسى عليه السلام لما قيل له: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه/12].

11. معرفة دخول الشهر برؤية الهلال.
قال الإمام البخاري -رحمه الله-: باب قَوْلِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا». وَقَالَ صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: «لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». (رواه البخاري).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر -رضى الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». (متفق عليه). وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- أيضا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ».
فهذه الأحاديث بيان على إبطال مذهب أهل الحساب, قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ -رحمه الله- كما في "سبل السلام" (ج 3 / ص 300): هُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ قَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ؛ لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ لَيْسَ فِيهَا قَطْعٌ. اهـ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ -رحمه الله- كما في "سبل السلام" (ج 3 / ص 300): فِي الْحَدِيثِ دَفْعٌ لِمُرَاعَاةِ الْمُنَجِّمِينَ ، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ رُؤْيَةُ الْأَهِلَّةِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ. اهـ.
قال الإمام صديق حسن -رحمه الله- في "الروضة الندية" (ج 1 / ص 218): قال بعض المحققين: التكليف الشهري علق معرفة وقته برؤية الهلال دخولا وخروجا أو إكمال العدة ثلاثين يوما فهل في الأكوان أوضح من هذا البيان والتوقيت في الأيام والشهور بالحساب للمنازل القمرية بدعة باتفاق الأمة. اهـ.

12. الولاء والبراء على أسس الكتاب والسنة وليس على أسس الحزبية, فيحبون أهل السنة والجماعة لتمسكهم بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح. ويبغضون على أهل البدعة والفرقة لمخالفتهم لمنهج السلف الصالح.
عن البراء -رضي الله- عنه قال رسول الله -صلى اله عليه وسلم-: إن أوثق عرى الإسلام أن تحب فى الله وتبغض فى الله (رواه الطيالسى، وأحمد، وابن أبى شيبة، والبيهقى فى شعب الإيمان, وحسنه الإمام الألباني).
عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحَبَّتِى لِلْمُتَحَابِّينَ فِىَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِىَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِىَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِىَّ». (رواهأحمد ومالك في "موطأ").
وقَالَ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ ». (رواه أبو داود عن أبى أمامة وأحمد, والترمذي عن معاذ بن أنس عن أبيه وقال: هذا حديث حسن صحيح).
فهذه الأحاديث فيها بيان عبادة من أعظم العبادات القلبية وهي الحب في الله والبغض في الله الذي يجتمعها في الظاهر الولا والبراء.
والأدلة عن هذه المسألة كثيرة معلومة, منها:
قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُون [الزخرف/26].
وقال تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [الشعراء/216]
وقال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) [الممتحنة/4، 6].
وقال تعالى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة/1].
قال الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) [الكافرون/1-6].
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: (إن هذه السورة -سورة الكافرون- تشتمل على النفي المحض وهذه خاصية هذه السورة، فإنها سورة براءة من الشرك كما جاء في وصفها). ومقصودها الأعظم البراءة المطلوبة بين الموحدين والمشركين، ولهذا أتى بالنفي في الجانبين تحقيقاً للبراءة المطلوبة. مع تضمنها للإثبات بأن له معبوداً يعبده وأنتم بريئون من عبادته، وهذا يطابق قول إمام الحنفاء {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ {26} إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي. [سورة الزخرف 26 - 27] فانتظمت حقيقة لا إله إلا الله. (الولاء والبراء: ج 1 / ص 129).

13. عدم الخروج على ولاة الأمور المسلمين وإن جاروا, والسعي لمناصحتهم وبيان الحق لهم, وطاعتهم في غير معصية.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء/59].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِى فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يَعْصِنِى فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِى وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِى». (متفق عليه).
وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطاعة ولاة الأمور والصبر عليهم وإن جاروا ومن خالف ذلك مخطئا أو متعمدا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ». (متفق عليه من ابن عباس).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِى وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِى عَلَى أُمَّتِى يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِى بِذِى عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّى». (رواه مسلم والبيهقي).
دَلَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى إمَامٍ قَدْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ أَهْلُ قُطْرٍ كَمَا قُلْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ لِإِدْخَالِهِ الضَّرَرَ عَلَى الْعِبَادِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ جَائِرًا، أَوْ عَادِلًا. (سبل السلام: ج 5 / ص 462).
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِى عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ». (رواه مسلم).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضى الله عنه- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ». (متفق عليه).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِىٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». (رواه البخاري).
فلم يمدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحدا خرج على ولاة الأمور وفارق الجماعة بل جاءت أدلة كثيرة معلومة في ذم من فعل ذلك, منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ». (رواه مسلم عَنْ عَرْفَجَةَ رضي الله عنه).
وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». (رواه مسلم).
وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فمعاونتهم على الحق وطاعتهم وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه وتبليغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم بالسيف وتأليف قلوب الناس لطاعتهم والصلاة خلفهم والجهاد معهم وأن يدعو لهم بالصلاح. (شرح الأربعين النووية: ج 1 / ص 31).

14. الرجوع إلى الحق متى ظهر لهم ويقبلونه ممن جاء به سواء أكان الذي جاء به صغيرا أم كبيرا, قريبا أم بعيدا.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- قَالَ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا، وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ. قَالَ فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، وَدَعَانِى مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّى فَقَالَ مَا تَقُولُونَ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ نَدْرِى. أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا. فَقَالَ لِى يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) قَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. (رواه البخاري).
قال الإمام الشوكاني -رحمه الله- في "أدب الطلب ومنتهى الأرب" (ص: 142): ومن الآفات المانعة عن الرجوع إلى الحق أن يكون المتكلم بالحق حدث السن بالنسبة إلى من يناظره أو قليل العلم أو الشهرة في الناس, واللآخر بعكس ذلك فإنه قد تحمله حمية الجاهلية والعصبية الشيطانية على التمسك بالباطل أنفة منه عن الرجوع إلى قول من هو أصغر منه سنا أو أقل منه علما أو أخفى شهرة ظنا منه أن في ذلك عليه ما يحط منه وينقص ما هو فيه, وهذا الظن فاسد فإن الحط والنقص إنما هو في التصميم على الباطل, والعلو والشرف فى الرجوع إلى الحق بيد من كان وعلى أي وجه حصل. اهـ.

15. قبول خبر الواحد الصدوق الثقة.
فاعلم أن هذه المسألة أنكرها حزب التحرير وأثبتها أهل السنة والجماعة.
فقد قال الإمام البخارى رحمه الله: باب مَا جَاءَ فِى إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِى الأَذَانِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ). وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا). فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلاَنِ دَخَلَ فِى مَعْنَى الآيَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا). وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ.
عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَىَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِى آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ أَوَلاَ تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لاَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (رواه مسلم).
وَقَالَ الْعَبَّاسُ رضى الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِلاَّ الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ: «إِلاَّ الإِذْخِرَ». (متفق عليه عن عبد الله بن عباس).

16. عدم تكفير أحد من المسلمين بذنب ما لم يستحله ويكون ذلك -أي الحكم بتكفير- بعد قيام الحجة وإزالة الشبهة.
عَنْ أَبِى ذَرٍّ -رضى الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لاَ يَرْمِى رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ، إِلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ». (رواه البخاري).

17. الجرح والتعديل
قال الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) [الأعراف: 175-178].
قال الله تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)﴾ [المجادلة: 19 - 21].
ففي هذه الآيات جرح عام لأهل الأهواء وحزب الشيطان, بدون تفصيل عن أفرادهم.
وقال الله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)﴾ [الجاثية:16-18].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" (ج 1 / ص 97): أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيا من بعضهم على بعض ثم جعل محمدا صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون: كل من خالف شريعته. اهـ.
وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) [الرعد: 36 - 37].
فالضمير في (أهوائهم) يعود والله أعلم إلى ما تقدم ذكره وهم الأحزاب الذين ينكرون بعض ما أنزل إليه, فدخل في ذلك كل من أنكر شيئا من القرآن من يهودي أو نصراني وغيرهما. (انظر اقتضاء الصراط: ج 1 / ص 14).
بين الله سبحانه و تعالى في هذه الآيات أخلاق حزب الشيطان وصفاتهم, الذين ينكرون بعض ما أنزل الله, كما أنكرهم على علم الجرح والتعديل, لا ينكر هذا العلم إلا رجل من سفهاء الأحلام أو رجل في قلبه النكتة السوداء, قال الإمام الوادعي رحمه الله: لا يزهد في هذا العلم إلا رجل جاهل أو رجل في قلبه حقد أو رجل يعلم أنه مجروح فهو ينفر عن الجرح والتعديل, لأنه يعلم أنه مجروح. (المجروحون عند الإمام الوادعي ص: 25).

0 komentar:

Posting Komentar